المسكوت عنه في “مشروع التجلي الأعظم” في سيناء

مقال رأي

معتز الفجيري

تعدّ أخبار شبه جزيرة سيناء وأوضاعها من المحرّمات في مصر، فمن غير المسموح للإعلام أو منظمات المجتمع المدني تغطية ما يجرى هناك أو مراقبته. تنصرف تلك القيود على متابعة التداعيات الإنسانية إلى العمليات العسكرية الشاملة على الإرهاب التي أعلنها الجيش المصري في سيناء منذ فبراير/ شباط 2018، وأيضاً على تغطية (ومناقشة) حقائق تخصّ المشاريع التنموية التي تجري هناك، وتداعيات هذه المشاريع على السكّان المحليين من البدو. لا يستطيع أهالي سيناء التحدّث علانية عن تخوفاتهم أو المظالم التي يتعرّضون لها في ظل التعتيم، والخوف الشديد من الملاحقات الأمنية. ولنتذكّر التنكيل بالباحث والصحافي المصري، إسماعيل الإسكندراني، أحد أهم المتخصّصين في الشؤون السياسية والاجتماعية لسيناء، والذي جرى اعتقاله في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، ثم قضت محكمة عسكرية بسجنه عشر سنوات على خلفية كتاباته وتغطيته الأوضاع الأمنية في شمال سيناء. وتعرّضت منظمة هيومان رايتس ووتش، وفريق عملها، لحملة دعائية مضادّة بعد صدور تقريرها الفريد في مايو/ أيار 2019، والذي وثق انتهاكات جسيمة ضد المدنيين في سيناء، ترقى بعضها إلى جرائم حرب في أثناء الصراع المسلح مع جماعة ولاية سيناء المسلحة.
ما يعرف بمشروع التجلي الأعظم ملف آخر في سيناء يطاوله الصمت والتعتيم المتعمّد من السلطات المصرية. وقد كشف تقرير أصدره الأسبوع الحالي المنبر المصري لحقوق الإنسان، من إعداد الباحث المصري المختص في شؤون سيناء، مهند صبري، عن مخاطر جسيمة بيئية وتراثية واجتماعية تتعرّض لها محمية سانت كاترين، ومواقع التراث الثقافي والديني في المنطقة، بفعل هذا المشروع السياحي الكبير الذي يتبنّاه الرئيس عبد الفتاح السيسي. ومن المثير للدهشة أن موقع هذا المشروع يقع فقط على بعد مائة كيلو متر من مقرّ انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي، الذي تستضيفه مصر في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل في شرم الشيخ، والمفترض أن ترعى أجندته الحقوق البيئية، وحماية التراث الثقافي العالمي. يعتمد التحليل في التقرير على الوثائق الرسمية المنشورة عن المشروع، وآراء منشورة وغير منشورة لخبراء أجانب لديهم اتصال مباشر بما يجرى في المشروع، وأيضا شهادات من السكان المحليين في سانت كاترين، والذين لم يُخفوا لمعدّي التقرير المخاطر والتهديدات الأمنية التي يتعرّض لها أبناء المنطقة، والتي أرغمت كثيرين، ومنهم الخبراء المختصون، في التحدّث العلني عما يمثله هذا المشروع من مخاطر.

يهدف المشروع إلى بناء مجتمعات حضرية ومرافق سياحية وطرق حول مدينة سانت كاترين

أعلنت السلطات المصرية عن خطتها لتنفيذ مشروع “التجلي الأعظم” في محافظة جنوب سيناء في مارس/آذار 2021. يهدف المشروع إلى بناء مجتمعات حضرية ومرافق سياحية وطرق حول مدينة سانت كاترين، والتي يقع قطاع كبير منها داخل محمية سانت كاترين، في المنطقة المحاطة بمعبد سانت كاترين القديم والتي تصنف دولياً منطقة تراث عالمي. استمرّت أعمال الهدم والبناء في المنطقة منذ منتصف عام 2021، بهدف إنهاء المشروع مع نهاية العام الحالي. وطبقاً للتقرير الذي أصدره المنبر المصري لحقوق الإنسان “التصورات المعلن عنها في الخطّة التفصيلية للمشروع، وأعمال البناء والهدم المستمرّة غيرت بالفعل من المشهد الطبيعي للمنطقة المحيطة بدير سانت كاترين بلا رجعة، وهو المشهد الذي على أساسه صنّفت المنطقة دولياً جزءا من التراث العالمي، فضلاً عن الأثار البيئية للمشروع، والمتمثلة في التلوث الصناعي الذي انعكس على النباتات والحيوانات الموجودة في المنطقة، والمعرّضة للخطر بالفعل. وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) قد صنّفت عام 2002 مساحة تبلغ 641 كيلومترا، تشمل المحميّة الطبيعية لسانت كاترين، والمناطق الأثرية الدينية في سانت كاترين، منطقةً ضمن مناطق التراث الثقافي العالمي، وذلك بناءً على طلب الحكومة المصرية. يتطلب هذا الإعلان التزام الدولة بحماية المنطقة من أي مخاطر تهدّد سلامة هذه المنطقة وطبيعتها، وذلك بموجب اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي الصادرة عن المؤتمر العام لمنظمة يونسكو في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 1972، والتي صادقت عليها مصر في فبراير/ شباط 1974. وقد أولت بنود هذه الاتفاقية اهتماماً بالإجراءات الواجب توافرها لحماية مناطق التراث الثقافي والبيئي، خصوصا المرتبطة بمخاطر تنفيذ مشروعات اقتصادية قد تؤثّر على هذه المناطق المصنفة ضمن التراث العالمي، كما حثت الاتفاقية الدول على التشاور مع السكان الأصليين والمحليين في أي قراراتٍ تتّخذ بشأن هذه المناطق. وكانت الدولة المصرية قد استثمرت بالفعل على مدار سنوات جهودا مالية وفنية، بالتعاون مع جهات دولية، منها الاتحاد الأوروبي، ومؤسسة سانت كاترين في لندن، والتي يرعاها الأمير شارلز، من أجل حماية المنطقة وترميمها، والحفاظ على ملامحها الطبيعية، وهويتها التراثية.

الحكومة المصرية مطالبةٌ بالشفافية أمام الرأي العام المصري والدولي في طرح الحقائق والتداعيات المرتبطة بمشروع “التجلّي الأعظم” ومناقشتها

وطبقاً لخبراء دوليين ومصريين عديدين، وأهالي سانت كاترين، فقد ترك هذا المشروع تداعيات جسيمة على البيئة والمناطق التاريخية في المنطقة لا يمكن درؤها. وبحسب تقرير المنبر المصري فإن التخطيط لهذا المشروع والبدء فيه تم “دون أي استشارات مع الخبراء والمختصين في مجالات حماية البيئة والتراث. وقد أدّى عدم وجود سياق قانوني للتخطيط والتنفيذ لمستويات غير مسبوقة من الاثار التدميرية التي انتشرت حول منطقة التراث العالمي ومحمية سانت كاترين الطبيعية”. كما نتجت عن المشروع تداعياتٌ جسيمةٌ على السكان الأصليين من البدو، خصوصا من قبيلة الجبالية والمعروفة تاريخيا بحرّاس الدير، حيث تعرّضوا لتهجير قسري ودمار لممتلكاتهم، وهدم بيوتهم من دون تعويض، فضلاً عن تدمير مقابر أسرهم. وقد عرف عن السلطات المصرية استسهال التوسّع العشوائي من دون شفافية في هدم المنازل والإخلاء القسري لعشرات الآلاف من السكان المحليين في شمال سيناء من دون تقديم تعويضات مناسبة بين عامي 2003 و2020 خلال العمليات العسكرية والأمنية ضد الجماعات الإرهابية في شمال سيناء. وفي خطابٍ مفتوح صدر في مارس/ آذار السابق، طالب خبراء مصريون وأجانب الحكومة المصرية بالوقف الفوري لأعمال المشروع، وطالبوا بتدخل عاجل من منظمة يونسكو. وطبقاً للأكاديمي الأميركي، جوزيف هوبز، أستاذ الجغرافيا في جامعة ميسوري وصاحب كتاب “جبل سيناء” في شهادته للمنبر المصري أن “المخطّط الرئيسي لهذا المشروع سينشر الإنشاءات والطرق حول كل هذه الأماكن المقدسة”. مضيفاً أن “أتباع الديانات الابراهيمية، وهم غالبية السياحة في سانت كاترين، الباحثين عن طبيعة ملهمة لا يريدون هذا التطوير القبيح، والذي سيتسبّب في رفع سانت كاترين من قائمة مناطق التراث العالمي بشكل مخجل، وسيؤدّي إلى مقاطعة السياح المنطقة”. واعتبر مدير مشروع الاتحاد الأوروبي لمحمية سانت كاترين بين عامي 1996 و2003، جون غرينغر، أنه ينبغي “تصنيفُ سانت كاترين منطقة تراث عالمي في خطر”، بسبب استمرار تنفيذ هذا المشروع بالشكل الذي يسير عليه حالياَ.
وبينما ينصرف الاهتمام الأن لجعل استضافة مصر المؤتمر العالمي للتغير المناخي فرصة للإفراج عن المعتقلين وسجناء الرأي، وتخفيف الضغوط الأمنية على النشطاء السياسيين والحقوقيين، لا بد أن يكون أيضاً للقضايا البيئية والثقافية والاجتماعية التي يثيرها مشروع “التجلّي الأعظم” مكان على أجندة النقاش العام المصري والدولي. ففي توصياته، طالب المنبر المصري لحقوق الإنسان منظمّي مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ أن يقرّوا بخطورة الوضع في سانت كاترين، وأن “يخصّص المؤتمر متسعاً من جدوله لمناقشة الوضع مع الجهات المصرية المختصة، لكي يتم العمل على وقف الدمار المستمر والبدء في إيجاد حلول عاجلة”، فالحكومة المصرية مطالبةٌ بالشفافية أمام الرأي العام المصري والدولي في طرح الحقائق والتداعيات المرتبطة بهذا المشروع ومناقشتها. وبحسب الخبراء، التخريب الذي تم بالفعل من الصعب إصلاحه، لكن من المهم بدايةً العمل على حصر هذه الخسائر وتقييمها، وتعويض المجتمع المحلي عمّا تكبّده بسبب المشروع.

https://bit.ly/3AsfS6K نشرت هذه المقال في العربي :

أخبار متعلقة

بيان تأسيس المنبر المصري لحقوق اﻹنسان

أعلن اليوم عن تأسيس المنبر المصري لحقوق اﻹنسان كتجمع مستقل للمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان المصريين، الذين يجمعهم إيمان لا يتجزأ بالقيم العالمية لحقوق الإنسان، ورؤية عامة مشتركة لضرورة تأسيس نظام سياسي في مصر يقوم على احترام مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية والمواطنة، والسعي إلى التنسيق والعمل سوياً على المستويات اﻹقليمية والدولية والمحلية لمواجهة التدني الغير مسبوق لحالة حقوق الإنسان في مصر، والتي تراكمت تداعياتها على مدار السنوات التي أعقبت ثورة يناير 2011، ووصلت لذروتها  تحت نظام حكم عبد الفتاح السيسي منذ ٣ يوليو ٢٠١٣ حين كان وزيرا للدفاع.

خطوات لازمة بعد إغلاق القضية 173

قال المنبر المصري لحقوق الإنسان إن قرار قاضي التحقيق بإغلاق القضية 173 مع خمس منظمات  حقوقية مصرية خطوة هامة وبداية