على بعد ١٠٠ كيلو من مقر انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي: مخاطر تهدد المحمية الطبيعية ‘سانت كاترين’

مشروع ” التجلي الأعظم”  كارثة بيئية ومجتمعية في سيناء

ورقة موقف

في شهر مارس 2021، قامت وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية المصرية بإصدار وثيقة داخلية بعنوان “تطوير سانت كاترين، موقع التجلي الأعظم على أرض السلام” الذي تنفذه شركتي حسن علام وأبناء سيناء للتجارة والمقاولات العامة . وقد تضمنت الوثيقة الرسمية تفاصيل كاملة عن خطة الحكومة لبناء مشروع سياحي ضخمٍ داخل وحول كلٍّ من موقع التراث العالمي ومحمية سانت كاترين الطبيعية الواقعة في المنطقة الجبلية بمحافظة جنوب سيناء. وبالنظر إلى طبيعة المنطقة وتصنيفها، تخضع كل أشكال البناء فيها لقيودٍ صارمةٍ طبقًا للقوانين والاتفاقيات الدولية لحماية التراث والبيئة والتنوع البيولوجي بالإضافة إلى قوانين المحميات الطبيعية المصرية.

في غضون أسابيع من نشر الوثيقة، وصل عدّة آلافٍ من عمال البناء مصحوبين بمعدات وآلات لتبدأ أعمال الهدم والبناء على مستوى هائلٍ، حيث انطلقت الأعمال الانشائية من قلب منطقة التراث العالمي حول دير سانت كاترين الأثري ثمّ انتشرت في أماكن مختلفة حول المحمية الطبيعية. وبالتزامن مع بدءِ أعمال البناء الضخمة انطلقت حملة إعلامية عبر صحف وقنوات مملوكة وموالية للسلطات المصرية وركزت غالبيتها على الرئيس عبدالفتاح السيسي واهتمامه الشخصي بالمشروع الذي بات يعرف بمشروع “التجلي الأعظم.”

وخلال العام الماضي، تمَّ انشاء مئات المباني داخل وحول مدينة سانت كاترين التاريخية في خرقٍ واضحٍ لقوانين اليونسكو المنظمة لمناطق التراث العالمي وللقوانين المصرية المنظمة لشؤون المحميات الطبيعية. وحسبما تؤكّده شهاداتُ عددٍ من السكان المحليين ومتخصّصي الثروات الثقافية والبيئية من مصر ودول أخرى، فإنَّ المشروع منذ بدايته قد غيَّر وجه المدينة التاريخية للأبد  إذ تسبّب في دمارٍ واسعٍ يستحيلُ رتقُه أو علاجه. وتتوسّعُ الآثار التدميرية لهذا المشروع -الذي تم تخطيطه ويتم تنفيذه كلياً بواسطة الحكومة المصرية والشركات التي تعاقدت معها- على بعد مائة كيلومتر من منتجع شرم الشيخ السياحي حيثُ سيقام مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في نوفمبر من العام الجاري.

إنَّ أشكال الدمار التي تسبّب فيها هذا المشروع في منطقة ‘سانت كاترين’، وهي منطقة فريدة في طبيعتها وتراثها وقيمتها الدينية لمئات الملايين من البشر من الديانات الابراهيمية الثلاثة، ستستمرُّ وتتوسع إن لم يتمَّ وقفُ المشروع فورًا

فنادق خمس نجوم علي سفح جبل سيناء

منذ بدءِ مشروع تطوير ‘سانت كاترين’ العام الماضي، تصرُّ منابر الاعلام المملوكة والتابعة للدولة على أنَّ تغيير وجه المدينة التاريخية -المعرُوفة على مستوى العالم بدير ‘سانت كاترين’ وقبيلة الجبالية وجبل سيناء- قد تمّت دراسته بعناية للحفاظ على الثروة الثقافية البيئية النادرة. ولكن التفاصيل المعلن عنها في الخطة التفصيلية للمشروع والكمَّ الهائل من أعمال البناء والهدم المستمرة تُظهر حقيقة مختلفة وصفها أحد المتخصصين في شؤون ‘سانت كاترين’ بأنّها “تدمير إجرامي.”

طبقًا للوثيقة الصادرة عن وزارة الإسكان التي تحتوي على خرائط ورسومات ومعلومات تفصيلية، فإنَّ المشروع يتضمن 14 خطة انشائية يتمُّ تنفيذها  بالتوازي وتحتوي على مئات المباني التقليدية على مساحات بمئات الآلاف من الأمتار المربعة. ومن ضمن الخطط المذكورة في الوثيقة ما يلي:

  • بناء النزل البيئي الجديد – 216 غرفة، 16950 متر مربع من المباني
  • بناء الفندق الجبلي – 150 غرفة، 20855 متر مربع من المباني
  • بناء مركز الزوار الجديد – 5876 متر مربع من المباني
  • بناء المجمع الإداري الجديد – 80 شاليه، مبنى استقبال، مطعم، بازارات تجارية، نادي اجتماعي ثقافي
  • بناء الحي السكني الجديد – 700 وحدة سكنية
  • بناء الحي السياحي الجديد – 400 شاليه، 450 فيلا، 4 فنادق، 490 شاليه صحي
  • بناء الطرق وشبكة البنية التحتية

ذكرت نفس الوثيقة بين تفاصيلها أنَّ الحكومة تخطِّط، من خلال هذا المشروع، لزيادة عدد سكان مدينة ‘سانت كاترين’ ليبلُغَ  12 الف نسمة، وهو ما يقارب ضعف عدد السكان الحالي. واتّساقا مع هذا المشروع الضخم وما سينجرُّ  عنه من زيادة سكانية كبيرة  ، بدأت أجهزة الدولة في شق طريق جديد ليصل مدينة ‘سانت كاترين’ بمدينة الطور وهي العاصمة الإدارية لمحافظة جنوب سيناء.  يتمُّ إنشاءُ الطريق الجديد حاليا في وادي حبران، إحدى أغنى الاودية بيئيًا وأكبرها من حيث السيول الموسمية.

طبقا لعدد من الخبراء والمتخصصين في الثروات الطبيعية والثقافية لمنطقة ‘سانت كاترين’ – والذي تحدث غالبيتهم مع كاتب هذه الورقة دون ذكر أسمائهم خوفًا من ملاحقة الحكومة المصرية- فإنَّ أعمال البناء والهدم على مرِّ العام الماضي في منطقة التراث العالمي وحول محمية ‘سانت كاترين’ قد تسبّبت في دمار انعكس على التراث التاريخي والبيئة الطبيعية “على مستوى مهول” و”يستحيل علاجه”.

طبقا لرأي الخبراء فإن انشاء مئات المباني سيغيّر المشهد الطبيعي لقلب المنطقة بلا رجعة، وهو المشهد المحيط بدير ‘سانت كاترين’ الذي تم بناؤه منذ اكثر من 1500 عام، وهو أحد العوامل الرئيسية التي عزّزت قرار اليونسكو عام 2002 بتصنيف المنطقة كمنطقة تراث عالمي. بالإضافة الى ذلك فإن أعمال البناء المستمرة على مرّ العام الماضي والتي تصل حتى أسوار الدير الاثري تتسبب في تلوّث صناعي فادحٍ ينعكس مباشرةً على النباتات والحيوانات الموجودة في المنطقة والمعرّضة للخطر بالفعل حتى قبل البدء في المشروع. بذلك يُمثّل الوضع الحالي ، الذي تسبّب به أساسا هذا المشروع،  إهدارًا لعشرات السنوات من الجهد والعمل الذي قام به العشرات من المصريين والأجانب على حدٍّ سواء لحماية البيئة والتراث في منطقة ‘سانت كاترين’. ومن ضمن هذه الجهود التي تمت لحماية المنطقة أعمالُ الترميم والحماية لدير ‘سانت كاترين’، والتي ترعاها مؤسسة ‘سانت كاترين’ الموجودة بالعاصمة البريطانية لندن وراعيها الملكي الأمير تشارلز.

ونظرًا لاستمرار الضّرر الواقعِ على المنطقة، اِجتمع عددٌ من المختصين في شبه جزيرة سيناء ومنطقة ‘سانت كاترين’ في شهر مارس 2022 وأصدروا خطابًا مفتوحًا طالبوا فيه بالوقف الفوري لكل أعمال المشروع والتّدخل العاجل لمنظمة اليونسكو وكبرى الجهات المختصة بالبيئة والتراث لمحاولة اِنقاذ المنطقة من الدّمار المستمر.

وقد أوضحَ أحدُ مسؤولي دير ‘سانت كاترين’ لمجموعة الخبراء أنه “للأسف لم يتمّ ابلاغ الدير بمخططات الحكومة قبل بدأ بدءِ المشروع،” وأضاف قائلا “أنّ المشروع مهولُ الحجم والوضع غير قابل للإصلاح.”

أمّا السكان المحليون فقد أكّدوا للقائمين على هذا التقرير أن الأجهزة الحكومية المصرية ، وعلى رأسها وزارة الإسكان ووزارة البيئة ووزارة السياحة والآثار،  لم يأمّنوا القيام بأي حوار أو تواصل مع المجتمع المحلي أو المؤسسات والجمعيات المختصة في رعاية التراث وحماية البيئة.  وقد ضاعفت شهادات المختصين والسكان المحليين في منطقة ‘سانت كاترين’ الشبهات حول مدى صدق البروباجاندا المستمرة من منصات الدولة الإعلامية التي لم تتوقف عن مدح المشروع منذ إعلانه عام 2021.

وقد أكّد أحد سكّان ‘سانت كاترين’ الذي يتابع التطورات على الأرض أنّ السلطات لم تشارك المجتمع أو الجمعيات والمؤسسات المحلية أيّة معطيات أو معلوماتٍ في أيٍ من مراحل التخطيط وتنفيذ هذا المشروع الذي يُقدّمُ باعتباره دافعًا  للتنمية في المنطقة . كما أكّد أنّ الإحساس العام بالخوف من ملاحقات الدولة أرغم الجميع، ومن بينهم المختصين والمراقبين، على الصّمت عن هذا الدمار المستمر.

“عندما طلبت الحكومة المصرية أن يتم إضافة ‘سانت كاترين’ لمناطق التراث العالمي قامت بالموافقة على شروط تضمّنت منع التطوير غير الملائم وغير المستدام داخل حدود منطقة التراث العالمي.بذلك يمثّل المشروع السياحي الذي يتم تنفيذهُ الآن خرقًا كاملاً للاتفاقية مع اليونسكو وهو ما يستدعي أن يتمَّ تصنيفُ ‘سانت كاترين’ كمنطقة تراثٍ عالمي في خطر،” كان هذا ما قاله جون جرينجر، مدير مشروع الاتحاد الأوروبي لمحمية ‘سانت كاترين’ بين عامي 1996 و 2003. في الخطاب المفتوح .

إنّ الدمار الناتج عن هذا المشروع لا يتوقف فقط عند أعمال الانشاءات والتلوث المصاحب لها وأعمال الهدم المستمرة في أنحاء المدينة التاريخية وحول المحمية ولكنه سيستمر مستقبلاً ومن المتوقع أن يزيد بشكلٍ كبيرٍ. إذْ ستتسبّبُ خطة الحكومة المصرية لزيادة عدد السكان المقيمين والزيادة المتوقعة في عدد السياح بشكل مباشر في تزايد التلوث والانبعاثات والقمامة ، بالاضافة إلى آثارٍ سلبيةٍ أخرى على مستويات لم تشهدها المنطقة في تاريخها، حيث سيستمر في التأثير على البيئة الطبيعية والثقافية الهشة والمعرّضة بالفعل للخطر حول المنطقة. 

مجتمع محلي محاصر

على مرِّ عقود طويلة، اِحتفظت مدينة ‘سانت كاترين’ والمحمية الطبيعية حولها بطبيعة فريدة بثلاث مكونات، جيل سيناء ودير ‘سانت كاترين’ وقبيلة الجبالية البدوية المعروفة تاريخيًا بحراس الدير.  تُشكّلُ هذه العناصر الثلاثة مجتمعة سبب جاذبية هذه المدينة الجبلية الصغيرة والمتميّزة بطبيعة بيئية غنية. ولكن المشروع الحكومي الجاري تنفيذه، وعلى عكس وعود التطوير التي رافقتهُ ، يُشكّل تهديدًا وجوديًا للمجتمع البدوي.

لم يكُن تجاهل الحكومة المصرية التامّ لإشراك مجتمع الجبالية المحلي في مراحل التخطيط للمشروع إلا بدايةً لمعاناتهم. منذ بدءِ الاعمال الانشائية أصبح المجتمع المحلي، وهم من عاشوا في ‘سانت كاترين’ لعقود طويلة وأيضا أجدادهم لمئات السنين من قبلهم، في حالةٍ من الشكّ التامّ والحيرة بسبب غياب أيةِ إجابة أو توضيح لمكانهم في هذا المشروع الجديد. وقد بدأت بالفعلِ علامات مُريبة في الظهور فورَ وصولِ الدولة بعمالها وآلياتها.

وفي غياب أي تواصلٍ أو مخطّط واضح لما سيحدث لممتلكات المجتمع المحليّ التي تقع في طريق المشروع، فُجع السكان برؤية الجرافات تهدم الجبانة المحلية، وقضوا ليلتهم في جمع رفات موتاهم. أما الاخرون ممّن هُدمت منازلهم وممّن يتوقعون الهدم، فمازالوا متروكين بلا أي أمل في تعويض أو مساعدة لإعادة بناء حياتهم. وبينما تتغوّل المباني الخرسانية، تمّت إزالة منطقة وسط المدينة بالكامل ليتغير وجه المدينة التاريخية أمام أعين سكانها العاجزين عن أي فعل أو اعتراض. 

في الوقت الذي قد يعِدُ فيه هذا المشروع بتوفير فرص عمل وتطور اقتصادي، تُشير التطورات على الأرض لواقع مغاير وتستدعي ذكريات قريبة لعمليات تهجير مجتمعات بدوية بأكملها في شمال سيناء بدعوى الظروف الأمنية، وأيضا التهميش التامّ لمجتمعات البدو في جنوب سيناء حينما وصلت القرى والمنتجعات السياحية لتحلَّ على أراضيهم الواقعة على خليج العقبة.

وتُعدُّ مدينة شرم الشيخ ذات الشهرة العالمية والتي سينعقد فيها مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ بعد شهور قليلة شاهدًا على سياسات التهميش والعزل القمعية التي يتعرض لها المجتمع البدوي، فالتطوير الوحيد التي حازته قرية الرويسات المحاذية لشرم الشيخ كان سورًا يعزلها عمّا حولها، بينما ذهبت الغالبية العظمى من الوظائف في قطاع السياحة لمصريين من كافة أنحاء البلاد وحتّى لأجانب من حول العالم باستثناء البدو وهم السكان الأصليون، وملاّك الأرض.

وقد تحدث أحد سكان ‘سانت كاترين’ والمتابعين بقلق لتطورات المشروع مؤكّدا أنّه لا أحد يمتلك معلومة موثقة عن موقع المجتمع الأصلي ووضعهم المستقبلي في وسط مشروع سياحي بهذا الحجم. يأتي المشروع بفنادق الخمس نجوم والمطاعم، الطرق والارصفة والمباني الخرسانية، وكل هذا يشكل تهديدًا مباشرًا لمصادر دخل المجتمع البدوي الذي يعيش على تقديم خدمات سياحية فريدة في طبيعتها كالتجول على ظهور الجمال والمعيشة في بيوت الضيافة البدوية الصديقة للبيئة أو رحلات المشي والتسلق في الوديان وحول جبل سيناء.

“أعتقد أن هذا النوع الفريد من السائح الذي يأتي قاصدًا ‘سانت كاترين ‘وطيبة سكانها، يُعدُّ عامل الجذب الرئيسي، سوف يستمر في القدوم، ولكن هذا المشروع قائم على جذب نوع مختلف من السياح الذين يسعون لتجربة مرفهة ومن غير المتوقع أن يقدّمها المجتمع المحلي.” كانت هذه توقعات الساكن المحلي التي تعكس قلق الغالبية من المجتمع.

أما جوزيف هوبز، بروفيسور الجغرافيا ومؤلف كتاب “جبل سيناء” الذي عاش في ‘سانت كاترين’ لسنوات، فكان أحد أعضاء المجموعة المطالبة بوقف فوري للمشروع. قال البروفيسور هوبز أن “المخطط الرئيسي لهذا المشروع سينشر الانشاءات والطرق حول كل هذه الأماكن المقدسة. أتباع الديانات الابراهيمية ]وهم غالبية السياحة في سانت كاترين[ الباحثين عن طبيعة ملهمة لا يريدون هذا التطوير القبيح، والذي سيتسبب في رفع ‘سانت كاترين’ من قائمة مناطق التراث العالمي بشكل مخجل وسيؤدي لمقاطعة السياح للمنطقة.”

  

مؤتمر المناخ: حماية للبيئة أم دعم لتدميرها؟

بينما تقع ‘سانت كاترين’، المدينة والدير وجبل سيناء، جغرافياً في مصر، تمثل المنطقة تراثًا إنسانيا وتاريخا من آلاف السنين كتبه بشر من مختلف الجنسيات والديانات. هذه منطقة نادرة وليس لها مثيل على وجه الأرض، وتمثل قدسية خاصة لكل اتباع الديانات الابراهيمية من المسلمين والمسيحيين واليهود. وعلى مرِّ عقود تعاون كل هؤلاء، مصريين وأجانب، على تحسين سبل الحفاظ على هذه الثروة الدينية والثقافية والطبيعية وحمايتها.

وبينما يستمر العمل في هذا المشروع، يتمُّ تجهيز مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ ليتم انعقاده في مدينة شرم الشيخ على بعد مائة كيلومتر من منطقة ‘سانت كاترين’ في نوفمبر القادم. يجري التجهيز لهذا التجمع للحكومات والمنظمات غير الحكومية تحت عناوين حماية وإنقاذ الكوكب بينما تستمر الحكومة المصرية في الترويج للانتهاء من العمل وافتتاح المشروع قبل بداية المؤتمر. هذا الكمّ من خرق قوانين حماية البيئة والتراث أمام أعين رعاة المؤتمر والمشاركين فيه يأتي بأسئلة جدية حول اختيار مصر لانعقاد هذا المؤتمر، ومدى حرصِ القائمين عليه، أو عدم مبالاتهم بمبادئ وأهداف هذا المجتمع العالمي. ولكن السؤال الأهم والأخطر هو كيف لحدث كهذا أن يبدُوَ وكأنه يدعم الحكومة المصرية وأجهزتها بينما ترتكب كل هذه التعديات التدميرية على البيئة والتراث.

الحقيقة أن سكان منطقة ‘سانت وكاترين’ وغالبية من تحدثوا لمعدّي هذه الورقة فضّلوا عدم ذكر أسمائهم خوفا من ملاحقة وقمع الحكومة المصرية، وبالرغم من كونهم يناقشون أمور البيئة والتراث ويحثّون على حمايتها دون الخوض في أية أمور سياسية أو أي شكل من أشكال المعارضة، وفي ذلك إشارة كافية وانذار مبكّر عن مدى أهليّة الحكومة المصرية واستحقاقها للمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، فضلا عن استضافة الحدث بأكمله.

“أعتقد أنه أمر ساخر أن يتم إنشاء هذا المشروع السياحي العملاق بينما يتمُّ عقد مؤتمر المناخ ولكن في الواقع أن هذه النظرة للتطوير ليست أمرًا جديدًا في مصر. نحن نشهد تجاهلا تاما للمناطق المحمية في العاصمة وحول البلاد،” أضاف المعلق من ‘سانت كاترين’ والذي تحدث لمعدّي هذه الورقة. “هذا إهمال للبيئة وطريقة بالية ومهدرة للموارد لتطوير السياحة.”

مصري آخر من العاملين بمجال البيئة، مقيم في أوروبا، تحدّث للتقرير دون ذكر اسمه عن تزامن مؤتمر المناخ مع الانشاءات المدمّرة في ‘سانت كاترين’. شرح المصدران أنَّ أحد أكثر النقاط المُقلقة في هذا المشروع السياحي الضّخم تكمن في عدم وجود أي شفافية وإجراءات قانونية وهو ما يجعل سُبل قياس وتقييم حجم الضرر المنعكس على البيئة والتراث في ‘سانت كاترين’ شبه مستحيلة.

“وضع حقوق الانسان العام في مصر لا يسمح بأي حوار أو نقاش حول أيٍّ من أشكال التقدم المستدام وعليه فإن استضافة مصر لحدث كهذا هو أمر صعب. وحقيقة ان هذا الدمار يتم على بعد كيلومترات من مكان انعقاد الحدث ]مؤتمر المناخ[ يجعل الامر اكثر سخرية وكآبة.” وأضاف المصدر ان “المشاركين في مؤتمر المناخ سواء كانوا حكومات او مؤسسات مستقلة عليهم مسؤولية الاعتراف والاشارة علنًا لما يجري من تخريب في الثروات البيئية والثقافية.”

إن المشروع السياحي هائل الحجم الذي أطلقت عليه الحكومة المصرية اسم “مشروع التجلي الأعظم” تم التخطيط له والبدء فيه دون أي استشارات مع الخبراء والمختصين في مجالات حماية البيئة والتراث. وقد أدّى عدم وجود سياق قانوني للتخطيط والتنفيذ لمستويات غير مسبوقة من الاثار التدميرية التي انتشرت حول منطقة التراث العالمي ومحمية ‘سانت كاترين’ الطبيعية.

لقد تمَّ التحذير من كمِّ الضرر الهائل الذي يتسبّب فيه هذا المشروع حتى قبل البدء في أعمال الهدم والبناء من قبل أجهزة الدولة، وأطلقت نداءات استغاثة، ولكن السلطات المصرية وعلى رأسها وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية ووزارة البيئة ووزارة السياحة والآثار قرّرت مجتمعة تجاهل التحذيرات والتقاعس في مسؤولياتها واختصاصها.

تقومُ الحكومة المصرية وأجهزتها ، منذ بداية العمل في هذا المشروع وعن علم تام، بخرق القوانين والمعاهدات المحلية والدولية  التي تعهدت بتطبيقها واحترامها. وبسبب المناخ السياسي الحالي في مصر والقمع العنيف لكل سبل المعارضة وحرية التعبير، فإن هذا المشروع المدمر مستمر بينما يتم اسكات المجتمع المحلي في ‘سانت كاترين’ والجمعيات الاهلية غير الحكومية والمختصين المستقلين بتهديدات الملاحقة والاعتقال وما هو أسوأ.

 

 التوصيات  

  • يجب على الدول والمنظمات المشاركة في قمة المناخ المطالبة بوقف أعمال البناء في منطقة التراث العالمي ومحمية ‘سانت كاترين’ الطبيعية.
  • يجب على مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ المقرر عقده في مصر في نوفمبر 2022 أن يتحمل مسؤوليته ويعترف بخطورة الوضع في ‘سانت كاترين’ وأن يخصص متسعًا من جدوله لمناقشة الوضع مع الجهات المختصة لكي يتم العمل على وقف الدمار المستمر والبدء في إيجاد حلول عاجلة.
  • يجب على السلطات المصرية ان تتوقف فورًا عن كل أعمال البناء في منطقة التراث العالمي ومحمية ‘سانت كاترين’ الطبيعية.
  • يجب على هيئة مختصة من خبراء البيئة والتراث أن تباشر فورًا العمل على حصر وتقييم الأثر التدميري الذي تسبب فيه المشروع.
  • يجب تعويض المجتمع المحلي في ‘سانت كاترين’ فورًا عن كل/أي خسائر تعرضوا لها بسبب المشروع.
  • يجب على مركز التراث العالمي باليونسكو أن يُعلن المنطقة، فورًا وبلا أي تأخير، كمنطقة تراث عالمي في خطر.
  • يجب على منظمة اليونسكو ومركز التراث العالمي التابع لها وبعثة المنظمة لمصر أن يبدؤوا فورًا أعمال الحدّ من تزايد الدمار الناتج عن المشروع ووقفها.
  • يجب على مؤسسة ‘سانت كاترين’ الواقعة بالعاصمة البريطانية لندن والمسؤولة عن اعمال الحفظ والترميم بدير ‘سانت كاترين’ أن توفد هيئة عاجلة لتقييم /وقف /الحدّ من الضرر الواقع على مبنى الدير الأثري بسبب المشروع.

https://www.egyptianforum.org/wp-content/uploads/2022/08/كارثة-بيئية-ومجتمعية-في-سيناء-2.pdf لتحميل الورقة:

 *أعدت هذه الورقة من قبل الباحث مهند صبري وتم مراجعتها وتدقيقها من جانب فريق عمل المنبر المصري لحقوق الأنسان

أخبار متعلقة

بيان تأسيس المنبر المصري لحقوق اﻹنسان

أعلن اليوم عن تأسيس المنبر المصري لحقوق اﻹنسان كتجمع مستقل للمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان المصريين، الذين يجمعهم إيمان لا يتجزأ بالقيم العالمية لحقوق الإنسان، ورؤية عامة مشتركة لضرورة تأسيس نظام سياسي في مصر يقوم على احترام مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية والمواطنة، والسعي إلى التنسيق والعمل سوياً على المستويات اﻹقليمية والدولية والمحلية لمواجهة التدني الغير مسبوق لحالة حقوق الإنسان في مصر، والتي تراكمت تداعياتها على مدار السنوات التي أعقبت ثورة يناير 2011، ووصلت لذروتها  تحت نظام حكم عبد الفتاح السيسي منذ ٣ يوليو ٢٠١٣ حين كان وزيرا للدفاع.

خطوات لازمة بعد إغلاق القضية 173

قال المنبر المصري لحقوق الإنسان إن قرار قاضي التحقيق بإغلاق القضية 173 مع خمس منظمات  حقوقية مصرية خطوة هامة وبداية